بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يجلس عباس أمام متجره الكبير، يتابع طابور النمل الذي يسير تحت الرصيف حاملاً بعض الأشياء الصغيرة جداً، شرد عباس طويلاً، النمل كأنه جيش منظم له قائد يوجهه ويتابعه.
يجلس عباس أمام متجره الكبير، يتابع طابور النمل الذي يسير تحت الرصيف حاملاً بعض الأشياء الصغيرة جداً، شرد عباس طويلاً، النمل كأنه جيش منظم له قائد يوجهه ويتابعه.
فوجئ عباس بالنمل يدخل المتجر بما يحمله. عندما جاء شريكه مرسي وجده منهمكاً في هذه المتابعة فضحك:
ماذا بك؟
هذا النمل أمره عجيب، إنه يحمل الأشياء ويدخل بها المتجر.
تريد أن نمنعه من ذلك؟
لا, لا, إنه لا يضر.
بدأ الشريكان التجارة منذ سنوات طويلة, كانا شابين يحملان أثواب الأقمشة فوق كتفيهما ويطوفان بها القرى والمدن. يقيسان بمتر خشبي في يد أحدهما, حتى اتسعت تجارتهما فافتتحا متجراً صغيراً, ثم كبرت التجارة أكثر حتى أصبحا أكبر تجار الأقمشة في البلدة.
عباس متزوج من شقيقة شريكه مرسي, رآها كثيراً وهي صغيرة, وكان يتمني زواجها. وعندما اتسعت تجارتهما وأصبحا في وضع يسمح لهما بالزواج, طلبها من أخيها وتزوجها.
يتعامل عباس ومرسي بالحد والمصلحة, كل منهما يأخذ مبلغاً شهرياً محدداً, وكل المصروفات تدون في الدفاتر.
قام عباس قائلاً:
سأذهب إلى البيت لأستريح ولن أجيء الليلة.
وبقي مرسى وحده, العمال في الداخل يرصون الأثواب في المخازن، والآخرون يبيعون في الخارج.
العمال لا يرتاحون عندما يأتي مرسي في المساء, فوجوده يعني أنهم سيسهرون طويلاً, فهو يحب العمل ولا يتعب منه. عباس أرحم بكثير, بعد العاشرة بقليل يغلق المحل فيذهبون إلى بيوتهم.
بعد لحظات جاءت زوجة مرسي, تذكر أنه وعدها بقطعة من الحرير تصلح ثوباً لها، ونسي أن يتحدث في ذلك مع عباس شريكه.
أخذ مرسي زوجته ودخلا المحل فاختارت قطعة حرير وحملتها وذهبت.
ومر الوقت وانغمس مرسي في عمله ونسي كل شيء, فأغلق العمال المحل وعاد مرسي إلى بيته متأخراً.
في اليوم التالي جلس عباس عند الظهر تقريباً فشاهد النمل الذي يتحرك أمامه حاملاً أشياءه الصغيرة جداً, انشغل بمتابعته للحظات, لكنه اكتشف –هذه المرة– أن النمل يحمل الأشياء من داخل المتجر ويخرجها إلى الشارع. سبحان الله في أمر هذا النمل، أكل يوم هو في حال!!
تابع عباس بعض الزبائن الذين يخرجون من المتجر حاملين الأثواب التي اشتروها, ثم عاد ثانية إلى النمل, أيقصد شيئاً من تغيير اتجاهه المفاجئ هذا؟
لعله مؤشر لشيء حدث وعباس لا يعلمه, نعم لابد أن تكون الخيانة قد حدثت في المتجر، مما حدا بالنمل لحمل الأشياء من المتجر إلى الخارج، من الذي يمكن أن يخونه؟
مرسي شريكه منذ سنوات طويلة ويعرفه عباس جيداً, أيكون أحد العمال؟
أسرع عباس إلى الداخل, عد الأثواب شارداً, نظر العمال إليه في دهشة, فهو أول مرة يفعلها بنفسه. ثم سأل عن الإيراد, وأخذ يعد النقود، كل شيء سليم, فهو أخرج الأثواب من المخزن وسلمها لعماله في الصباح, لكن النمل يريد أن ينبهه إلى خيانة حدثت، أيكون مرسي حقاً؟
نعم هو مرسي لا شك.
أحس عباس بالضيق وعاد ثانية إلى مجلسه خارج المحل, تابع النمل الذي مازال يحمل الأشياء الصغيرة جداً ويخرج بها من المتجر.
عندما جاء مرسي حيا عباس وجلس: أراك مشغولاً.
ثم تابعه فوجده ينظر إلى النمل في اهتمام شديد.
أجدك هذه الأيام تهتم بالنمل كثيراً.
مرسي, أريد أن نفض الشركة بيننا.
ماذا؟!
لابد أن ننفصل.
دهش الرجل:
لكننا شركاء منذ سنوات طوال, واعتدنا على العمل معاً.
صمت عباس وعاد ثانية إلى متابعة النمل:
انظر يا مرسي النمل كان يحمل الأشياء إلى المتجر, لكنه الآن يأخذ الأشياء ويخرج بها من المتجر.
وما الغريب في هذا؟
إنه يعني أن أشياءً كثيرة حدثت.
عندما علم التجار المجاورون لهما جاؤوا لينهوا الخلاف الذي حدث لأول مرة بين الشريكين. قال أحد
التجار:
مرسي متزوج من أختك يا عباس، لا تنسى هذا.
أعرف, ومصر على فض الشركة.
قال شيخ مهيب:
عباس, أتشك في مرسي؟
نعم, الخيانة دخلت المتجر.
صاح مرسي غاضباً:
أنا يا عباس, كيف ؟
قال الشيخ المهيب ثانية:
وأنت يا مرسي, هل أخذت شيئاً من المتجر دون علم شريكك؟
لا, لم يحدث.....
تذكر فجأة قطعة الحرير التي أعطاها لزوجته بالأمس, لقد نسي أن يكتب قيمتها في الدفتر, أو أن يخبر عباس بها:
تذكرت الآن، زوجتي أخذت قطعة حرير ونسيت أن أكتبها على حسابي, ولا أقصد شيئاً آخر.
أحس عباس بالراحة واطمأن, فذلك ما جعل النمل يغير طريقه.
استطاع التجار أن يعيدوا ما كان من ود بين الشريكين. وفي اليوم التالي جلس عباس في مكانه.
ابتسم وهو يرى النمل يحمل الأشياء الصغيرة جداً من الشارع ويدخل بها إلى المتجر كما كان.
تحياتي للجميع