هديتك إلى الملك ..
الحَمْدُ لله والصّلاَةُ والسّلامُ عَلى رَسُولِ الله وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ وَالاه
:
:
عِنْدَمَا تُفَكِّرُ أنْ تُهْدِي هَدِيّةً لِمَنْ تُحِبّ..
فَدَائِماً تُفَكّرُ فِي شَيءٍ غَيرُ مَوجُودٍ لَديْه..
وَ تَبْحَثُ .. وَ تَبْحَث ..
حَتَى تَجِدْهَا..
فَــتُـــقَــدِّمَــهَــا لَـــه..
و تَعْلَمُ أنّهَا سَتُـقَرِّبُـك عِنْدَ مَنْ أهْدَيتَهَا لَـه..
و لَــــكِـــنْ !
هَلْ فَكَرتَ فِي هَدِيّةٍ تُقَدّمُها لِـمَـلِـكِ المُـلُــوك - سُبْحَانَه - ؟
تُسَائِلُ نَفْسَك ؟
كَيفَ أُهدِي شَيئاً لِمَلكِ المُلُوك و خَزَائِنُهُ وسِعَت السّمَواتِ والأرضِ ووسِعَت كُلّ شَيء ؟
وأيُّ شَيءٍ لَيسَ فِي خَزائِنِ المَلك ؟
وَ لـــكِــــنْ !
لَو بَحَثْتَ لَوَجَدتَ شَيئاً يُقرِّبُكَ عِندَهُ كَثِيراً .. وكَثيراً جِداً !
إنّـــهُ ..
*~ { الافْـتِــــقَــــار } ~*
البَابُ الذّي يَغْفلُ عَنهُ الكَثِيرُ ولايَعْرِفُهُ الأكْثَر ..
فَكُلّمَا كُنتَ أفْقَرُ إليه .. كُلّمَا كُنتَ أقْرَبُ إليه ..
وكُلّمَا كُنتَ أفْقَرُ إليه .. كُلّمَا ارْتَفَعَتْ مَكانَتَكَ عِندَه ..
وكُلّمَا كُنتَ أفْقَرُ إليه .. كُلّمَا كُنتَ أكْملُ عُبُودِيّةً له ..
[ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أنْتُمْ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ واللهُ هُوَ الغَنِّيُّ الحَمَيد ]
فــ نحنُ فقراء في كُلِّ شَيء ..
= فُقراءٌ فِي وُجُودِنَا .. فَهوَ الذّي أوجَدَنَا مِنَ العَدَم ..
[ هَلْ أتَى عَلى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيئَاً مَذْكُورَاً ] الإنْسَان 1
= فُقَراءٌ فِي قُوّتِنَا .. فَهو الذّي قَوّانَا بَعدَ ضَعفٍ ..
[ اللهُ الذّي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفَاً وَشَيْبَةً
يَخْلُقُ مَايَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ ] الرُّوم 54
= فُقَراءٌ فِي عِلْمِنَا .. فَهُوَ الذّي عَلّمَنَا بَعدَ جَهل ..
[ عَلّمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَم ] العلق 5
وبِدُونِهِ .. نَحْنُ لاشَيء !
وبِدُونِ فَضْلِهِ و إنْعَامِهِ و كَرَمِهِ ... نَحنُ لاشَيء !
فَلَهُ الحَمدُ والشّكرُ أنْ أوجَدَنَا وقَوّانَا وعَلّمَنَا ..
لَوْ تَأمّلتَ هَذا أيُّها العَبدُ .. لَو وَقَفْتَ وَقْفَةَ صِدْقٍ مَعَ نَفْسِك ..
أنْتَ الفَقِيرُ الضَّعِيفُ الجَاهِلُ .. و قَدْ كُنتَ قَبلَ ذَلكَ عَدَمَــاً !
.. أين كُنت قبل ولادتك بسنة ؟ لا شيء ! عدم !
فلم تُخلق لولا خَلقِ الله لك ..
هَذِهِ صِفَتُك .. شِئتَ أمْ أبَيت..
[ يَـاأيُّهَا النَّاسُ أنْتُمْ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ واللهُ هُوَ الغَنّيُّ الحَمِيدُ ] فاطر 15
و( حَقِيقَةُ الفَقْرِ : أنْ لاتَكُونَ لِنَفْسِكَ ولايَكُونُ لكَ مِنهَا شَيء , بِحَيثُ تَكونُ كُلّكَ لله ) ابنُ القَيّم.
و( الفَقْرُ الحَقِيقِي: دَوامُ الافْتِقَارِ إلى اللهِ فِي كُلِّ حَال ,
وأنْ يَشْهَدَ العَبدُ فِي كُلّ ذَرّةٍ مِنْ ذَرّاتِهِ الظّاهِرَةُ والبَاطِنَةُ فَاقَةً تَامَةً إلى اللهِ تَعَالى , مِنْ كُلّ وَجْه )
ابنُ القَيّم .
والافْتِقَارُ حَادٍ يَحْدُو العَبدَ إلى مُلازَمَةِ التّقْوَى ومُدَاوَمَةِ الطّاعَة .
:
وكُلّمَا اسْتَشْعَرتَ صِفَاتَكَ فِي دَاخِلكَ .. سَتَعْرِفُ عَظَمَةِ مَنْ يُكْمِلُ فَقْرَك ..
وهُوَ رَبُّكَ سُبْحَانَه وتَعَالى ..
وسَتَعْلَمُ أنّكَ ضَعِيفٌ مُحْتَاجٌ إلى القَوِيّ .. لِــيُــقَــوّيــك ..
وأنّكَ جَاهِلٌ مُحْتاجٌ إلى العَلِيمِ .. لِــيُــعَــلّــمِـــك ..
وأنّكَ فَقِيرٌ مُحْتاجٌ إلى الغَنِيّ .. لِـيُـغْـنِـيَـكَ و يَـسُـدُّ فَــقْــرَك ..
فَهُوَ الغَنِيُّ العَلِيمُ القَوِيُّ سُبْحَانَه ..[ وَاللهُ هُوَ الغَنِيّ الحَمِيدُ ] فاطِر 15
والحَمِيدُ : المُسْتَحِقُ لِلحَمْدِ والثّنَاءِ لِكَمَالِ صِفَاتِهِ فَلَيسَ فِيهَا نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ مِنَ الوُجُوه.
وهُوَ الغَنِيّ عَنّا وعَنْ عِبَادَتِنَا وطَاعَتِنَا لَهُ ونَحْنُ المُحْتَاجُونَ إليهَا لِنُنْقِذَ أنْفُسَنَا مِنَ النَّار .
فَهَلْ عَرَفْتَ رَبّك ؟ وهَلْ عَرَفْتَ مَعَانِي أسْمَاءِ اللهِ وصِفَاتِه ؟
( أعْلَمُ النَّاسِ باللهِ أخْوَفُهُم مِنْه ) الفُضَيلُ بنُ عِيَاض.
فَاللهُ عَظِيمٌ سُبْحَانَه..
[ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ] الزمر67
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُمَا :
( مَا السّمَواتُ السّبْعُ والأرْضُونَ السّبْعُ ومَا فِيهِنّ ومَا بَيْنَهُنّ فِي يَدِ الرّحْمَنِ إلا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أحَدَكُم ).
ولَو تَفَكّرَ العَبْدُ فِي نَفْسِهِ وتَأمّلَ فِي هَذَا الكَونِ يَرَى عَجَبا ً!
فَلَو أنّهُ صَعَدَ بِطَائِرَةٍ فَوقَ بَيتِهِ لَرَأى بَيتَهُ صَغِيراً .. صَغِيراً !
ولو صَعَدَ أكثرُ لاخْتَفَى بَيتُهُ .. ولأصَبَحَ شَارِعُهُ صَغِيرَاً .. صَغِيراً !
ولو صَعَدَ أكْثرُ لاخْتَفَتْ الشّوَارِعُ كُلّهَا .. وعِنْدَهَا .. يَرْسُمُ مَدِينَتَهُ بِمَا فِيهَا .. نُقْطَةً عَلى خَرِيطَة !
ولو صَعَدَ أكْثرُ لاخْتَفَت المُدُنُ وأصْبَحَت دَولَتُهُ رُقْعَةً صَغِيرَةً فِي الكُرَةِ الأرْضِية ..
ولو صَعَدَ أكْثرُ لاخْتَفَت الدّولُ وأصْبَحَت الأرضُ .. كُرةً صَغِيرة !
ثُمّ تُصْبِحُ نُقْطَةً .. ثُمّ تَخْتَفِي وبَعْدَهَا تَخْتَفِي شَمْسُنَا وتُصْبحُ هَبَاءَةً فِي سَمَاءٍ مُتَرَامِيَةَ الأطْرَاف !
فِيهَا أعدادٌ لايُحْصِيهَا إلا اللهُ مِنْ نُجُومٍ وكَواكِبٌ تَسْبَحُ فِي هَذَا الكَون !
وهَذِهِ كُلُّها أيْن ؟ فَقَط فِي السّمَاءِ الدُّنْيَا !
ونَحنُ نَعْلَمُ أنّ مَابَينَ السّمَاءِ الدُّنيَا والتّي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خُمْسُمائَةِ عَام .. ومَابينَ كُلّ سَماءٍ والتّي تَلِيهَا مَسيرةُ خُمْسمَائَةِ عَام ..
والعَرْشُ فَوقَ السّماءِ السّابِعَة ..
وماالسّمواتُ السّبعُ والأرضَينَ السّبعُ فِي الكُرْسِيّ إلا كَحَلَقَةٍ فِي فَلاة .. وكَذَلك الكُرْسِيّ فِي العَرْش !
واللهُ أعْظَمُ وأكبر مِنَ العَرشِ.. مُسْتَوٍّ عَلى عَرْشِهِ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ..
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ .. غَنِيٌّ عَنِ العَرْشِ .. ولا يسَعُهُ عرشهُ سُبحانَه
والعَرْشُ مُحْتَاجٌ لهُ .. وكُلُّ مَافِي الكَونِ مُحْتَاجُونَ لَه ..
وهو قيومٌ السموات والأرض .. قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسَبَت
فَأينَ أنْتَ الآنَ مِنْ هَذَا كُلِّه..
أيـُّــــــهَـــــا الــعَــبْــــد ؟
لاااااااا شَــــــــــــيء !!
فَكَيفَ تَتَكَبّرَ عَلى الخَالِقِ العَظِيم ؟
وأنْتَ تَعْلَمُ أنّكَ لاتُسَاوِي شَيئَاً ..
وأنّ اللهَ قَادِرٌ عَلَيك .. ومَعَ ذَلكَ تَتَجَرّأُ عَلَى مَعْصِيَته ؟!
ودَائِمَاً تَعْتَمِدُ عَلى أنّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وتَنْسَى أنّهُ شَدِيدُ العِقَاب !
تَسْتَشْعِرُ أنّكَ غَنِيٌّ بِمَا مَعَك .. وتَنْسَى أنّ اللهَ هُوَ مَنْ أغْنَاك !
وهُوَ الذّي أعْطَاك .. وهُوَ الذّي مَــلّـكَــك !
ولو شاءَ لأخذَ منك ذلك كلّه في لحظةٍ واحدةٍ !
تَقُولُ كَلِماتٍ تَدُلُّ عَلى فَقْرِكَ ثُمّ تُنَاقِضُهَا بِفِعْلِك !
= ألسْتَ تَقُولُ حِينَ تَخْرُجُ مِنْ بَيتِكَ :
( باسْمِ اللهِ تَوَكَلّتُ عَلى اللهِ ولا حَولَ ولا قُوّةَ إلا بِالله ) ؟
و( لاحَولَ ولاقُوّةَ إلا باِلله ) : تَعْنِي أنّنِي يَاربُّ لا حَولَ ولا قُوةَ لِي وأنِّي أتَبَرَأُ مِنْ حَولِي وقُوّتِي
ولَسْتُ أقْدِرُ عَلى فِعْلِ شَيءٍ إلا إذَا أنْتَ مَنَنْتَ عَليّ فَأعْطَيتَنِي حَوْلاً وقُوّةً مِنْ عِنْدِك ..
فلا أُصلّي ولا أقرأ كتابكَ ، ولا أذكُرك إلا لو أقدرتنِي على فِعلِ ذلك
فالفضلُ والمنّة لك وحدَك
= ألسْتَ تَقُولُ فِي أذْكَارِ الصّبَاحِ والمَسَاءِ :
( أصْلِحْ لِي شَأنِي كُلّهُ ولاتَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَين ) ؟
طَرْفَةَ عَينٍ ولَيْسَ دَقِيقَةً ولا سَاعَةً !
فأنَا لا أسْتَطِيعُ أنْ أُجْرِيَ نَفَسِي ..
ولا أُحَرِّكَ نَبَضَاتِ قَلْبِي ..
ولا أُجْرِيَ الدّمَ فِي عُرُوقِي ..
ولا .. ولا .. .. طَرْفَةَ عَين !
ثُمّ بَعْدَ هَذَا تَمْضِي فِي دَرْبِك وتُحِسُّ أنَّكَ قَادِرٌ عَلى فِعْلِ كَذَا .. وتَسْتَطِيعُ فِعْلَ كَذَا ..
فَتَفْعلُ مَاتَشَاء .. ويَشْتَدُّ فِي نَفْسِكَ إحْسَاسٌ بِقُدْرَتِك ..
وتَنْسَى أنّ اللهَ هُوَ الذّي أعَطَاكَ القُدْرَة ..
فَتَنْسَى فَقْرَكَ .. وتَنْسَى ضَعْفَكَ .. وعَجْزَكَ .. وجَهْلَك ..
وتَنْسَى غِنَى اللهِ وقُوّتِهِ وقُدْرَتِهِ وعِلْمُهُ ..
فَــــ وَيـْـحَـــكَ أيُّـــهَـا الــعَــبْـــد !
:
كَمْ يَحْلُمُ عَلَيكَ وأنْتَ لاتَدْرِي ؟!
:
كَمْ يَرْحَمُكَ وأنْتَ لاتُقِرُّ بِذلِك ؟!
:
كَمْ يُعْطِيكَ ويَتَفَضّلُ عَلَيكَ وأنْتَ تَرْجِعُ بِالمِنّةِ إلى غَيرِه ؟!
:
فَتَشْكُرُ غَيرَهُ وتَنْسَاه !
وتلجأ لغيرهِ وتتركه !
وتتعلّقُ بغيره وتبتعد عنه !
فَـــ يـَـــــــــــااااا عَـــــبْـــــد !
لِتَعْلَمَ أنّ عُبُودِيّتُكَ شَرَفٌ لَك ..
وفَقْرَكَ إليه .. رِفْعَةً لك ..
فَـــ يَـــــــــافَــــقِـــيـــــر !
أقْبَلْ إلى الغَنِيُّ سُبْحَانَه ..
ألْقِ بِنَفْسِكَ عَلى أعْتَابِه ..
تَذَلّلْ بَينَ يَدَيه لَعَلّهُ أنْ يَرْحَمَك .. *
انْكَسِرْ وتَضَرّعْ لَعَلّهُ يَقْبَلك .. *
فَـــ وَاللهِ
لَيْسَ لكَ إلا الله ..
لَنْ يَرَحَمَكَ غَيرُه
ولَنْ يَغْفِرَ لَكَ سِوَاه
:
فَـــ يـَـارَبَّــاهُ .. رَحْـمَــتَــك..
لاتَكِلْنَا إلى أنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَين ..
وأصْلِحْ لَنَا شَأنَنَا كُلّه ..
لا إلهَ إلا أنْت *
:
وَصلّى اللهُ عَلى مُحَمّدٍ وعَلى آلهِ وصَحْبِهِ وسَلّم.